Weiter Schreiben -
Der Newsletter

So vielstimmig ist die Gegenwartsliteratur.
Abonnieren Sie unseren Weiter Schreiben-Newsletter, und wir schicken Ihnen
die neuesten Texte unserer Autor*innen.

Newsletter abonnieren
Nein danke
Logo Weiter Schreiben
Menu
Suche
Weiter Schreiben Schweiz ist
ein Projekt von artlink
Fr | It
Logo Weiter Schreiben
Menu

رواق القبلات

Shukri Al Rayyan
© Salam Ahmad, Acryl on canvas, title: With you life is beautiful baby (2022)

„لابد أنه رواق القبلات“ هذا أول ما خطر ببال وليد وهو يدخل مع نورا، زوجته، إلى الفناء السفلي الطويل المؤدي إلى الصالة الرياضية متعددة الاستخدامات في المدرسة الثانوية، حيث سيعقد الاجتماع الذي دعت إليه المنظمات المختصة بشؤون اللاجئين في سويسرا.
كان الاجتماع قد قرر منذ فترة طويلة وأجل أكثر من مرة بسبب ظهور عدة تعقيدات أجلته، إذ تبين أن عدد المشاركين سيكون أكثر من المتوقع، بالإضافة إلى مشاكل متعددة ظهرت في التنظيم والتكاليف والإقامة، إلى أن تدخلت نورا وذللت معظم العقبات باقتراح واحد. المؤتمر يمكن أن يعقد في القرية التي يقع فيها واحد من أكبر كامبات اللاجئين في كانتون „غراوبوندن“، الكامب الذي يقيمان فيه، والذي يبعد عن مدينة „خور“ عاصمة الكانتون، نصف ساعة بالقطار. مكان انعقاد المؤتمر يمكن أن يكون الصالة الكبيرة متعددة الاستخدامات، في المدرسة الثانوية المجاورة للكامب، والإقامة في منتجع لا يبعد كثيرا عن القرية، وهو في كل الأحوال شبه فارغ في هذا الوقت من العام، وبالتالي يمكن الحصول على حسومات كبيرة عندما يكون هناك عدد لا بأس به من الضيوف. المنطقة مشهورة بجمالها الطبيعي الأخاذ، ويمكن للإقامة أن تكون مريحة ومحفزة للمشاركين. تلقف المنظمون اقتراح نورا فورا، وكلفوها بالبدء بالتحضيرات ريثما يرسلون وفدا لتولي عملية الإعداد معها.
كانا، وليد ونورا، في أول زيارة لتفقد الصالة الكبيرة في المدرسة. الرواق الطويل المؤدي إليها كان مغطى الجدران بالكامل بالستائر، وهذا تجنبا لحدوث صدى صوت يؤثر على ما يدور في الداخل، خصوصا إن كان هناك عرض مسرحي. تلك الستائر هي ما حركت „الشيطان“ في داخل وليد وجعلته يقدر أن المكان، دون أدنى شك، هو الأنسب لزينة وعماد لتبادل قبلاتهما الأولى، وخلف تلك الستائر السميكة بالذات. لم يكن يعلم إن كانت هناك أمكنة أكثر ملائمة للقيام بهذا الفعل الحيوي لعاشقين صغيرين كزينة وعماد، في تلك المدرسة التي هي مدرستهما الثانوية. كل ما في الأمر أنه، عندما لحظهما صدفة يتبادلان قبلات سريعة في ممر معزول، قريبا من قبو الغسيل في الكامب، قدّر أنهما يخاطران كثيرا في محيط غير آمن لهما.
الحق أن الجو في الكامب لم يكن مريحا لأحد، أكان عاشقا أم كارها حتى. حالة من الاكتظاظ غير الإنسانية أبدا، وفوقها الجميع يراقب الجميع دون هوادة. وإن أضفنا سنوات الإقامة الطويلة دون أمل بالمغادرة إلا بعد العثور على عمل ثابت، كما فرضت قوانين الكانتون، فإن الأمر يصبح أقرب إلى الكابوس منه إلى الحياة الطبيعية. لذلك قدّر بأن المدرسة، التي تنتمي إلى العالم السويسري الذي يفترض أنه أكثر رحابة من عالم الكامب، يمكن أن تكون أكثر أمانا للجميع لأن يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي كبشر، أكانوا عشاقا أم سواه. وبما أن الحب شعور طبيعي، فقط خارج سور الكامب، فكان من الطبيعي بالنسبة له أن يدرك بأن هذين العاشقين الصغيرين كانا يغامران كثيرا في الكامب، بينما البدائل أمامهما لا تحصى على بعد بضعة أمتار فقط. تلك الأمتار التي كانا يجتازانها معا يدا بيد، خصوصا أيام الثلج والصقيع، حيث كان عماد يمسك بيد زينة خوفا عليها من الانزلاق، مثيرا الكثير من التعليقات الضاحكة عند جميع من كان يشاهدهما وهما في طريقهما إلى مدرستهما. ولكن كان هذا قبل أكثر من خمس سنوات والعاشقين كانا طفلين في الثانية عشر من العمر، حديثي الوصول إلى الكامب مع عائلتيهما، اللتان لجئتا إلى سويسرا من جحيم سوريا المستعر، تماما كحال وليد ونورا في نفس الفترة تقريبا.
عندما ذكر لنورا ما خطر بباله، في طريق العودة إلى الكامب، اكتفت بابتسامة صغيرة ارتسمت على طرف شفتيها. أكثر نوع من أنواع ابتسامتها غموضا، وبالتالي فتكا. الابتسامة التي كان يخشاها دائما، إذ قد تكون مقدمة لمصارحة من النوع المؤلم جدا، أو لصمت طويل جدا، أو لانفجار لا يبقي حجرا في مسار حياتهما الزوجية الممتدة لأكثر من عشرين عاما، دون أن يقلبه. الله وحده يعلم ما الذي يمكن أن يؤدي إليه هذا الغموض الخطير المرسوم على الشفتين اللتين كانتا، للمفارقة، أكثر ما جذب وليد إليها عندما التقاها أول مرة، دون أن يدرك أنه بهذا يطلب الوصال عبر مفتاح قد يكون للجنة أو لجهنم. الأمر برمته كان، وما زال، يخضع لمزاج صاحبة هذا المفتاح.
للمفاجأة، وهذه هي نورا دائما، فإن الأخيرة لم تطل صمتها، ولم تنفجر، اكتفت بأن تذكر بأن إصراره على لعب دور الأب لزينة، الأب المنفتح والمتقبل لكل شيء وصديق أولاده، أمر لا معنى له، خصوصا وأن زينة لديها أب فعلا.
ولكن أي نوع من الآباء هذا؟! كان يسأل وليد نفسه دائما وهو يراقب هذه الصبية، التي طالما حلم بأن يكون لديه ابنة مثلها، ابنة تشبه نورا بطريقة مستحيلة، وكأنها ابنتها فعلا. ليس في الشكل وحسب، بل بطبعها شديد التمرد أيضا، وباعتمادها على نفسها في كل تفاصيل حياتها. „كان يجب أن تكون ابنتنا، هي وشقيقها الصغير أيضا“ هذا ما كان يردده في سره دائما. خصوصا عندما تدخل زينة في معركة وضع الحجاب الإلزامي. تلك المعركة التي كانت تبدأ قبل موعد اتصال والدها عبر السكايب من حلب، حيث ما زال يقيم منتظرا أن تنجح زوجته في مشروع لم الشمل، بحيث يلتحق بهم، بعد أن تركهم يخوضون مغامرة الرحيل وحدهم عبر أهوال لا عد لها ولا حصر. في البحر، حيث خطر الموت فيه يكمن في كل موجة تصطدم بالقارب المتهالك وتكاد تقلبه بحمولته التي فاقت حدها الطبيعي بأضعاف؛ ومن ثم في الغابات الموحشة والباردة وفي مسارات معقدة وفي مواجهة أخطار لا عد لها ولا حصر للوصول إلى بر أمان في بلد يمكن أن يطلبوا فيها اللجوء. كل هذا فقط لأن والد زينة يخاف خوفا مرضيا من الماء. وهذا ما كان من الممكن أن يبقى سرا على زوجته، التي أدركته حتى قبل أن تبدأ المقتلة السورية، فأبلغت نورا به، ونورا أبلغت وليد بدورها، فزادت من احتقاره للرجل أضعاف ما كان عليه قبل أن يعلم بأن جبن الأب منعه من مرافقة عائلته في مغامرة يتربص بهم الموت خلالها عند كل منعطف.
ما زاد في الطين بلة، أن والد زينة ما كان يقبل أبدا أن تكبر ابنته في بلاد اللجوء دون وضع الحجاب. الأمر الذي أوجدت الأم له حلا، على عادتها في فبركة الحلول لكل شيء. كان على زينة أن تضع الحجاب خلال موعد الاتصال الأسبوعي لوالدها الذي ما أن يراها هكذا، حتى ينسى الأمر ويلتفت إلى أمر آخر، وتنتهي المشكلة هنا. الحل الذي لم يرق لزينة المتمردة، التي كانت ترفض حتى التواجد في غرفة عائلتها خلال موعد الاتصال وتلجأ إلى غرفة نورا وزوجها مفضية بكل أسباب قهرها أمامهما، وملخصة الأسباب في كلمة واحدة „الكذب“. الكذب الذي لا يقتصر فقط على أن تضع الحجاب أمام شاشة الكومبيوتر لتكلم جلالة السلطان والدها، بل الذي يمتد إلى وعود والدتها له بأن موعد حصوله على التأشيرة ليلتحق بهم بات قريبا، في الوقت الذي لم تفعل الأم أي شيء بشأن طلب لم الشمل، لأن الأب هو آخر شخص في العالم تريده والدتها أن يكون معهم في هذا الوقت، أو في أي وقت قادم.
لم يشأ وليد الدخول في أي جدل مع نورا، عند الحديث عن زينة وظروفها وأخيها ورغبته في أن يكون أبا لهما بأي شكل من الأشكال، فالأمر عندما يتعلق بالأطفال تحديدا، يصبح في غاية التعقيد والحساسية وهما لم يرزقا بأي طفل طيلة سنوات زواجهما.
لم يطل الأمر كثيرا بالمحيطين بهما ليفهموا أن هناك مشكلة. ولم تلبث نورا أن حسمت الجدل بأن أعلمت الجميع بأنها هي السبب في عدم الإنجاب. فأُغلق الموضوع نهائيا من طرف عائلتها. أما عائلة وليد، فكان عليهم، إن قرروا فتح الموضوع مرة أخرى، المرور عبر تذكير مهم جدا بأنه ما كان ليحلم بالزواج من واحدة مثل نورا، بوضعها العائلي الاستثنائي، والدها من أشهر المحامين في البلد، وهي تنتمي إلى عائلة ثرية ومعروفة جدا بالأساس، لولا أن الأخيرة ضحت في بداية زواجهما، وواجهت رفض عائلتها له، وقررت الزواج منه وتمردت عليهم وبنت حياتها بالكامل، بعيدا عن مكتب أبيها ونفوذه، وباشرت حياتها المهنية كمحامية ناجحة جدا دون الاعتماد على أحد سوى مقدراتها هي بالذات. امرأة كهذه ثروة لكل من يكون محظوظا بأن يصبح جزءا من حياتها.
هناك أيضا سبب آخر جعل وليد يغلق الموضوع، وهو أنه كان متأكدا تماما أن زينة لن تلبث أن تفعل، ليس كما فعلت نورا في بداية حياتهما فقط، بل وكذلك كما فعلت عبير، شقيقة عماد، عندما بلغت الثامنة عشر من عمرها. عبير بدورها كانت تعيش بداية قصة حب مع ناظم، وهو لاجئ شاب وصل إلى الكامب بمفرده. لم يكن أمر تعلقهما ببعضهما الأمر الذي يمكن إخفائه أمام أحد، وعبير ما أن تحضر في مكان يكون فيه ناظم، حتى يحوله الأخير إلى بلاط لأميرة واحدة متوجة بهالة من حضور تدرك صاحبته بالذات كم هو طاغ وعلى تابع واحد بالتحديد، ناظم نفسه.
ما كان للحكاية أن تسير ككل حكايات الحب التي قد تحدث، وهي تحدث دائما، على بعد بضعة أمتار فقط من سور الكامب. كان على والد عبير أن يجد حلا لحالة تشكل تهديدا لسطوة ما كان مستعدا للتنازل عنها بأي ثمن. فهو، كرب للعائلة، من يقرر مصير الجميع، وبالذات الإناث، في عائلته، بل وحتى في محيطه لو قدر. كان الحل الوحيد أمامه هو التركيز على ناظم نفسه ومحاولة إيجاد أي وسيلة ملائمة لطرده خارج الكامب، وفي أسرع وقت.
لم يطل الأمر فعلا. بعد عدة احتكاكات، كاد بعضها يصل إلى الاشتباك، قررت إدارة الكامب نقل ناظم إلى كامب آخر. النتيجة أن „مولانا“ الآخر، والد عبير، صار يسير بين جموع اللاجئين في الكامب نافشا ريشه كطاووس. لقد أبعد الخطر على „إناثه“ بطريقة آذت الذئب المتطفل وطردته إلى غابة أخرى بعيدة. ولكن هذا لم يدم لأكثر من أسبوعين. في يوم عيد ميلادها الثامن عشر غادرت عبير إلى مدرستها صباحا، ولم تعد. عند ذهاب الأب إلى إدارة الكامب لإبلاغهم بغياب ابنته، أبلغوه بدورهم أن عبير انتقلت، وبطلبها الشخصي كونها بلغت السن القانونية، إلى كامب آخر، لن يتم إعلامه بعنوانه، وبناء على طلب عبير أيضا، وأن من مصلحته أن يغلق الموضوع هنا وبشكل نهائي. طبعا لم يبق أحد في الكامب لم يقدر بأن عبير لحقت بناظم إلى حيث „طرده“ أبوها.
كانت حكاية زينة وعماد، في تقدير وليد، تسير بنفس الاتجاه. زينة لن تدخل في متاهة إقناع والدتها بحاجتها إلى أن تعيش علاقتها بشكل طبيعي، وكما تشاء، مع من تحب، كما يعيش جميع أقرانهما المحيطين بهما. الأم ستستحضر كابوس الأب، وهذا وحده كاف لإغلاق فكرة الحديث مع الأم. النتيجة، زينة حتما ستختصر الطريق وتمضي، هي وعماد، على نفس درب عبير وناظم، والأمر لن يستغرق أكثر من الأشهر الستة القادمة، حيث سيبلغ الاثنان الثامنة عشر من العمر.
ولكن ما حصل، وقبل أن تنتهي الأشهر الستة، هو أن زينة وعائلتها انتقلوا إلى كامب آخر في كانتون بعيد وبقي عماد مع عائلته في نفس الكامب. ما أذهل وليد في كل ما حصل هو أن من ساعد الأم في عملية النقل هذه، بل وألح عليها مستخدما صلاته، حتى خلال انعقاد المؤتمر، مع منظمات مسؤولة عن شؤون اللاجئين في سويسرا، هو نورا زوجته. وكأنها كانت تسعى منذ البداية إلى وضع حد لقصة حب، تعرف إلى أي مدى كان وليد شديد الحماس لها.
عندما واجه نورا بما عرف، أجابته ببرود أنها فعلا كانت تسعى لوضع حد لهذه الحكاية. وأكملت أن السبب الرئيسي الذي دفعها إلى هذا هو أن عبير لم تترك الكامب ساعية خلف حبيبها ناظم، كما ظن الجميع، بل لأنها تعرضت لضرب مبرح في غرفة عائلتها في الكامب، بسبب ناظم بالذات، وعلى يد أبيها وأخيها عماد، قبل أن يُنقل ناظم إلى كامب آخر. ضرب أبقاها حبيسة نفس الغرفة لأسبوع كامل بحجة أنها مصابة بنزلة برد حادة. نورا هي من قام بالاتصالات لصالح عبير وأمن لها طريقة خروج آمنة باتجاه كامب آخر، وهذا دون أن تُعلم أحد، حتى وليد نفسه.
كان ما سمعه وليد كافيا له ليغادر الغرفة، ليس غضبا، بل هربا من مواجهة لن تكون لصالحه أبدا، وعينا نورا تلاحقانه كعيني صقر يريد أن ينقض على فريسته. يعرف وليد تماما إن استمر في الحديث في الموضوع إلى ماذا سيصل، خصوصا إن تعلق الأمر بالضرب. أصلا ما أن سمع حقيقة ما حدث مع عبير، حتى جمد في أرضه غير قادر على التركيز على أي شيء سوى أمر واحد… الفرار. ولكن، إلى أين؟!
كان يقف على باب الكامب مستغرقا في أفكاره، ومحاولا الهروب من فكرة واحدة صارت بالنسبة له ككابوس بات يخشى أنه سيلاحقه ما تبقى له من عمر. كان وليد يعرف بأن نورا طلبت ربط رحمها حتى لا تنجب. عرف هذا بالصدفة من طبيبها النسائي، وبعد سنوات من العملية، ولم يجرؤ على مواجهتها بما يعرف. لأنه كان يعرف الإجابة: „لا أريد أن أجلب طفلة إلى هذا العالم لتعاني ما عانيته أنا“. وهي تقصد ما عانته مع وليد بالذات، وليس مع عائلتها. قالتها له في كل الأحوال „بقيت معك فقط، وأبقيت ما حدث سرا، حتى لا يشمت أهلي بي“.
كان وليد يبتلع ريقه بصعوبة وهو يتذكر أن امرأة كنورا لن تنسى مطلقا، إلى أن فوجئ بأحد أفراد الطاقم الإداري في الكامب يقف أمامه مباشرة ويتحدث إليه. لم يعطه الرجل لحظة لاستعادة أنفاسه والعودة من البئر المظلم الذي كان فيه، حتى فاجأه بأمر أعاده إلى حيث كان في قعر ذلك البئر.
أبلغه بأن الشركة التي كان قد راسلها للحصول على عمل يناسب خبراته الهندسية في بازل قد ردت بالموافقة على طلبه، ويمكنه أن ينتقل إلى هناك ويباشر عمله منذ بداية الأسبوع القادم. ولكن… هناك مشكلة لابد من إعلامه بها. فراو نورا لن تسافر معه. لقد أبلغتهم بقرارها بالبقاء في الكامب ومتابعة عملها المعتاد مع اللاجئين. وأردف الرجل ببعض ارتباك أنها طلبت منهم إبلاغه بشكل رسمي بقرارها، ريثما تقوم بإجراءات الطلاق حسب الأصول.
….
في طريق مغادرته إلى بازل، في اليوم التالي، كان على القطار الذي أخذه من محطة القرية أن يتوقف في محطته الأولى بعد المحطة الرئيسية، بالقرب من مدرسة زينة وعماد. من نافذة القطار المطلة على باحة المدرسة الخلفية الخالية تماما في هذه الساعة المبكرة من الصباح، لمح طيف شخصين، صبية وشاب، يتقدمان باتجاه كرسي على طرف الباحة. وبالرغم من الوقت القصير الذي توقفه القطار في المحطة، إلا أن وليد قدر أن الذي دفع هذين الشابين للقدوم في هذا الوقت المبكر قبل موعد بدء الدروس بساعة على الأقل، وفي هذا الطقس البارد، لا يمكن أن يكون شيئا آخر سوى الحب. الكلمة الأخيرة حفرت في داخله كخنجر. ما زال عنيدا ويرفض أن يستسلم، قال في نفسه مؤنبا. الحقيقة أنه كان يريد بعض المواساة، التي منحها لنفسه ولو عبر نبرة تأنيب. وكأنه عاشق، مسكون بفكرة الحب، خانه الحظ فقط!
تابع القطار طريقه مخلفا خلفه المدرسة ورواقها وكل احتمالات القبلات القادمة بين أي عاشقين في هذا المكان الذي لن يلبث أن يطويه النسيان، كما الكامب المجاور له، وكل من فيه، بما فيهم…. توقفت أفكاره هنا للحظة… حتى اسمها بات عسيرا عليه أن ينطقه! كم كان أحمقا ومكابرا وعنيدا. فعل كل ما يمكن أن يخطر بالبال، إلا الشيء الوحيد الذي توقعته، أو انتظرته، منه… الاعتذار. تحدث عن كل ما يمكن أن يخطر في البال من مبررات لما فعله… ثقافتنا الأبوية المدمرة؛ إغراء ممارسة السلطة؛ النساء المستضعفات في مجتمعات لم تعطهن الفرصة ليكن أحرارا كما يردن… تحدث عن كل شيء، إلا ذلك الشيء الذي يمكن لأي بشري، ذكر كان أو أنثى، أن يفهمه… اعتذار مشفوع بحب حقيقي، من القلب إلى القلب، دون أي كلام كبير وكاذب.
كاد يقفز من مكانه متجها إلى سائق القطار طالبا منه التوقف، يريد أن يعود إلى نورا معتذرا، لعلها تصفح عنه. ولكن القطار مضى، وبقي هو في مكانه جالسا ينظر إلى تتالي المشاهد من نافذته وقد فقدت كل معنى لها.

– Being a BurgdorferLesenBeing a Burgdorfer
– Etwas ist seltsam, sogar in der Luft!Lesen !شيء ما غريب، حتى في الهواء
– Hinein in den KühlschrankLesenالدخول إلى الثلاجة

Datenschutzerklärung