Weiter Schreiben -
Der Newsletter

So vielstimmig ist die Gegenwartsliteratur.
Abonnieren Sie unseren Weiter Schreiben-Newsletter, und wir schicken Ihnen
die neuesten Texte unserer Autor*innen.

Newsletter abonnieren
Nein danke
Logo Weiter Schreiben
Menu
Suche
Weiter Schreiben Schweiz ist
ein Projekt von artlink
Fr | It
Logo Weiter Schreiben
Menu

مليون كلمة طافية ليطأها قوم "نوح"

Wagdy El Komy
© Asia Rajjoub, Noah´s ark, Acrylic on canvas (2017)

ألف سفينة نوح

تصدى خفر سواحل الاتحاد الأوروبي لسفينتنا…على الرغم أنها كانت سفينة نوح…أغرقونا مع معرفتهم هوية صاحب الفُلك، هو أشهر نبي على وجه الأرض، وأقدمهم، طُفنا، وسبحنا حتى وصلنا إلى الشاطيء، وهناك استقبلنا جنود خفر السواحل بالهراوات على رؤوسنا وأجسادنا، كنا نعرف أنهم يستهدفون تكسير عظامنا حتى لا نعاود الكرة مرة أخرى، حتى لا نحاول تخطي الحدود، والعبور إلى جنتهم…أو ما كنا نظنها جنتهم.

قبضوا على سيد الفُلك، النبي نوح بذاته وشخصه، واقتادوه ليحققوا معه في أسبابه لتهريب الكائنات والبشر من الطوفان، ولماذا قصد بسفينته شواطيء أوروبا، أما نحن، فكانت أقدامنا قد تحطمت من الضرب المتواصل والركل اللانهائي، لم يحملونا إلى مستشفى، بل إلى قارب أخر، ووضعونا فيه، وقالوا لنا: جدفوا إلى الضفة الأخرى..

كان قارب نوح قد مخر أمواج البحر المتوسط، مع سبعمائة من الناجين من الطوفان، حملهم الله على ألواح ودُسر، وأفاع، وطيور، وأفيال، وخنازير، وكلاب وقطط، وأبقار وعجول، صادر خفر السواحل الأوروبي كل هذه الكائنات بعدما سبحت ووصلت هي الأخرى إلى الشواطيء، أما البشر الذين عجزوا عن السباحة، فطفت أبدانهم منتفخة من الغرق، ونحن الذين وصلنا إلى الشاطيء بطريق المصادفة بعدما تشبثنا ببعض ألواح السفينة فحملتنا إلى صخور الساحل، هناك تلقفتنا عٌصي الجنود، لحظتها سألنا أنفسنا هذا السؤال…لماذا يا الله جعلت نوح يحملنا إلى هنا..؟ إلى أوروبا..؟ ولماذا ترسل ألف سفينة أخرى وراء سفينتنا إلى هذه البقعة التي تلفظنا..؟

مائة ألف قصة..يجلبها إليّ الهدهد

بعد مرور سنتين على إغراق سفينتنا، صار عندي بطاقة سفر في القطارات وصارت لي هوية جديدة كلاجيء، وبت لا أستطيع كتابة قصة عما حدث، بعد وصولي مع نوح وقومه، تفرقنا، وصرنا حينما نلتقي في مقاهٍ بأوروبا، نتحاشى استعادة ما حدث، تفضحنا أحيانا بشرتنا، سمرتنا التي تميزنا، فلا يمكن لقوم صارعوا الطوفان، وخفر السواحل، أن يخرجوا من المعركة دون أن تتلون بشرتهم، وتمتليء ملامحهم بالندوب.

منذ أن جئت إلى هذه المدينة الأوروبية، أعرج بساق التأم كسرها بصعوبة، جبلت نفسي على الاستيقاظ في الصباح لانتظار زقزقات العصافير التي جاءت معنا في السفينة، أحيانا أشتري حبوبا من السوبرماركت، وأذهب إلى الحدائق العامة لأطعم الحمام الذي كان هو الآخر من رواد السفينة، يعلقون في كل مكان لافتة تقول كلماتها: لا تطعم الطيور، لكن كيف لا أطعمها، وهي صحبتني في سفينة نوح، كيف لا أطعمها الآن وقد كنت أطعمها في السفينة خلال تقلبنا على أمواج الطوفان، وحينما أدلف إلى مطعم لأتناول غدائي، أتفادى أن أطلب وجبة من لحوم الخنزير، أو الأبقار، الذين كانوا معي في السفينة، يأتيني الهدهد، ليمارس مهمته القديمة، رسول يحمل أخبار الملوك، لكنه بدأ يلقي لي بقصص من الأرض الأخرى التي غرقت مع الطوفان، أستيقظُ في الصباح، لأكتب قصة، وأشرب شايا مع بسكوت وقطعة شيكولاطة، أستمع بأناة إلى الهدهد وهو يخبرني أنه جاء لي من بلدي بنبأ يقين، عربة الفول التي كنت أفطر عليها كل صباح في شارع الهرم، غرقت مع الطوفان، والمخبرون الذين كانوا يطرقون باب شقتي في الفجر ليصطحبونني إلى مكتب أمن الدولة، طفت جثثهم فور انحسار الماء، ولم يعد ينفعهم تجبرهم السابق، يحكي لي الهدهد عن مشاهد رآها بعد غرق بلدي، منها الاختفاء العجيب للزعيم الذي كان يستعد لجولة جديدة من الانتخابات الرئاسية قبل الطوفان، وكان يحبس معارضيه، ومن يجرؤ على تسجيل اسمه في لجنة الانتخابات المنوط بها فتح الباب لمنافسته، الزعيم كان يقبض على هؤلاء الذين يرغبون في الإطاحة به من مقعده، أرسل إلى السجن ثلاثة شبان اجتمعوا لتشكيل تحالف من أجل جمع الأصوات المناهضة للديكتاتور، يقص لي الهدهد أن الطوفان هدم كل خططه ، وبعد انحسار الماء، لم يعثر له أحدُ على أثر وربما قبلت إحدى الدول الأوروبية أن تؤويه، يحكي لي حكايات تنتشر، عن ركوبه غواصته التي كان قد ابتاعها من قرض الصندوق الدولي ومن أجلها باع هرما من الأهرامات الثلاثة…إلى أين وصلت به غواصته يا ترى…؟

يقص لي الهدهد ألف قصة…عشرة آلاف قصة، بل مائة ألف، وأكتب وراءه بسرعة بالغة، أدون القصص كالمجنون، قصص المظلومين المنسيين في السجون، قصص الغرقى في البحار، وقصص المدفونين في مقابر مجهولة بعد موتهم من التعذيب في مخافر الشرطة، والأقسام، وأقبية الأمن الوطني في بلدي، وقصص الذين التهمتهم أسماك القرش بعدما أغرقهم خفر السواحل الأوروبية، وقصص المهاجرين الذين دفعوا لعصابات التهريب ليركبوا سفينة من سفن نوح هربا من الطوفان، فاصطحبتهم العصابة إلى منتصف البحر، وأردوهم قتلى جميعا على القارب، وألقوا بجثثهم في البحر، ماتوا غدرا لأنهم كانوا يظنون المهربين مندوبين أرسلهم نوح لالتقاطهم وضمهم إلى سفينته.

تتواصل كتابتي للقصص التي يحكيها لي الهدهد، ويتواصل تكدس دفاتري، حتى جاء اليوم الذي صارت تنام فيه معي على الفراش، وأتحرك وسطها بحذر، متخوفا من إسقاط تكدسها في أرضية الشقة، تتناثر عشوائيا في أركان حجرتي، وبات جيراني يتعجبون من منظرها كلما فتحت نافذة، فصرت أسدل الستائر، مائة ألف قصة وقصة ترقد هنا في هذه الدفاتر في سُبات عميق تنتظر الاستيقاظ.

مليون كلمة

حددت لي موظفة المساعدات الاجتماعية موعدا للاجتماع معها، هي الموظفة الموكل إليها تنظيم نفقاتي، وإمدادي بالنقود التي منها أدفع الإيجار، ومنها أكل وأشرب، التقتني في مكتبها، وكان موضوع النقاش “ لماذا أرغب في أن أواصل الدراسة للحصول على الماجستير بدلا من أبحث عن عمل“ قلت لها يا سيدتي لأن مؤهلاتي الجامعية لا تسمح لي بالعثور على وظيفة في بلدك، تقارب ما كنت أفعله في بلدي قبل طوفان نوح، كنت قبل الطوفان أعمل صحافيا وكنت كاتبا، هل يجب أن أمسح مراحيض مدينتك؟ كما كان ضابط الأمن الوطني يجبرني على مسح مرحاضه كل موعد أتردد عليه فيه من أجل متابعة ما كنت أكتبه على الفيسبوك، ومن أجل الاطمئنان إلى أنني كففت عن كتابة منشورات ضد النظام..؟

حلت موظفة „السوسيال- المساعدات الاجتماعية“ محل ضابط الأمن الوطني، لكنها ألطف منه كثيرا، تقول لي:

– أنا كإنسانة، وكموظفة للمساعدة الاجتماعية، أتفهم رغبتك في تطوير ذاتك، لكنني لا يمكن أن أخالف قانون المساعدات الاجتماعية، لا يمكننا أن ندعم شخصا بإعانات دافعي الضرائب، للحصول على شهادة الماجستير..

لم أشأ أن أطلعها على آخر انجازاتي، لم أقل لها إنني كتبت مائة ألف قصة وقصة، وأنني بصدد أن أنشرها في البحر، فالاستبداد هنا كما كان هناك قبل طوفان نوح، الموظفون الحكوميون يكرهون الكتابة، ويكرهون القصص الخيالية، ولا يعترفون بها وظيفة، قبل إغراق الله للأرض، كان ضابط الأمن الوطني قد قرر فصلي من عملي كصحفي، ومنعني من الكتابة في المواقع الحرة غير التابعة للحكومة، ثم جاء طوفان نوح، ولا أدري إن كان الضابط قد ركب السفينة في آخر لحظة أم لا، دارت هذه الأفكار في خاطري وأنا أنظر إليها، ثم نظرت إلىّ السيدة اللطيفة موظفة „السوسيال“ وهي تسألني:

– ما هي الوظيفة التي ستعمل بها حال إتمامك دراستك للماجستير…؟ وما هو المرتب الذي ستتقاضاه…؟

قلت لها مبتسما بسمة صفراء مريرة بصوت خرج متحشرجا:

أحقا تسألنيني ماذا سأفعل بعد سنتين أو ثلاثة…؟ ربما جاء طوفان جديد وربما قرر نبي أن يبني سفينة، وقتها قد لا يكون هناك أي موضع لسؤالك…هل كلفك دافعو الضرائب بأن تطرحي علىّ هذا السؤال حقا…؟ هل يتحدث دافعو الضرائب عن رواتبهم…وهل يفصحون عن حقيقة ما يتقاضون لكل الناس…؟

تدّون موظفة المساعدات الاجتماعية ملحوظات، وتبتسم لي ابتسامة صفراء، وتصرفني على وعد ببحث طلبي والتوصل إلى قرار يدعم مصلحتي ولا يتعارض مع دافعي الضرائب، أو السادة رؤساء الأحزاب المعارضة لرسو سفينة نوح على سواحل أوروبا.

تأتي سفينة نوح أخرى محملة بالمزيد من المهاجرين..

ثم تأتي سفينة نوح أخرى..

ثم تأتي سفينة أخرى…وأخرى…وأخرى…

ويتدفق المهاجرون بغزارة…

اتصلت بي „آنا“  وقالت لي:

لقد تجاوزت „الديدلاين“…أين القصة…؟ القصة التي تقاضيت أجر كتابتها ونشرها…نحن بحاجة لنشرها هذا الأسبوع…يجب أن تنتهي…

أي قصة أعطيها إياها، في حوذتي مائة ألف قصة، مخزنة في مئات الدفاتر، كل قصة يتراوح طولها بين خمس وعشرة صفحات، استأجرت سيارة „فان“ كبيرة الحجم، وكدست فيها دفاتري، ثم مع أول ضوء للصباح طلبت من السائق أن ينطلق بنا إلى شاطيء المتوسط، وخلال الطريق أخذت أسليه بحكي حكايات عن المهاجرين الأوروبيين الذين أبحروا في ألف قارب باتجاه الإسكندرية عام 1941..هربا من هتلر، بدا الرجل غير مبالي، وتوقف أربع مرات في الطريق ليتناول الطعام، ويستخدم المرحاض، ويضاجع حسناء، ويجري اتصالات، وينام سويعات، ثم واصلنا الطريق، وصلنا إلى شاطيء المتوسط بعد يومين من انطلاقنا، هناك، أنزلنا دفاتري، كنت أعرف أنها تكتظ بألوف الكلمات، بدأت أفتح دفاتري، وأضعها في الماء، مستلقية بجوار بعضها البعض، بدأت دفاتري تطفو، تحملها كلماتي، هناك مليون كلمة في هذه الدفاتر، مكتوبة في مائة ألف قصة وقصة، هذه الكلمات المليون مكتوبة بآلاف أقلام الحبر الجاف، حبر لا يزول، ولا ينمحي، أخذ سائق الفان يراقبني وهو يشعل سيجارة، وراء سيجارة، متعففا عن مساعدتي، بينما يراني أضع دفاتري على شاطيء البحر حتى أحشائه، دفتر تلو دفتر، مكونا ممر طويل، يزداد طوله الآن، بدأت دفاتري تكون لسانا من الدفاتر الكرتونية السميكة التي تطفو برقة وقوة، ونعومة، كلماتي تثقلها، كلماتي جعلت لدفاتري معنى، لو كانت دفاتر بأوراق بيضاء ما كانت ستقدر على الطفو، أعود وأذهب ثم أعود وأذهب، حاملا عشرة دفاتر كل مرة، أرصها بجوار بعضها بعضها، كل سفينة تغرق تغرق معها أبدان، وكل بدن يغرق، تغرق مع صاحبه كلمات وحروف، وقصص، وحواديت، وحكايات المهاجرين، وأنا نجوت، نجوت بلغتي، ونجوت بقصصي، وحكاياتي، وهاهي مفرودة أمامي في سلسلة طويلة، مليون كلمة الآن مستلقية طافية على الموج، داخل البحر، ليعبر عليها الحالمون، والهاربون.

فنترتور، أغسطس2021-يولية 2023
وجدي الكومي

– Kurzer Abriss über den Lebenszyklus der BäumeLesenموجز مختصر عن دورة حياة الأشجار

Datenschutzerklärung