Weiter Schreiben -
Der Newsletter

So vielstimmig ist die Gegenwartsliteratur.
Abonnieren Sie unseren Weiter Schreiben-Newsletter, und wir schicken Ihnen
die neuesten Texte unserer Autor*innen.

Newsletter abonnieren
Nein danke
Logo Weiter Schreiben
Menu
Suche
Weiter Schreiben Schweiz ist
ein Projekt von artlink
Fr | It
Logo Weiter Schreiben
Menu

ماتيلدا...امرأة من هناك...

Chadia Atassi
Zeichnung zweier Tänzerinnen zum Text von Chadia Atassi © Nagham Hodaifa
© Nagham Hodaifa, from the series: Inked Dance, ink and walnut stain on paper (2008)

….مع ذلك كان هناك شيء جميل يحدث. كان لقائي بـ ماتيلدا الايطالية .
تعرفت على ماتيلدا منذ الأيام الأولى لقدومنا، كانت وزوجها ديفيد، يسكنان في البيت المواجه لنا تماما، كلبها الصغير زارنا اولاً، لاعبته نادية وأطعمته، وحين أتت لتأخذه تعارفنا..
أؤمن بالكيمياء في تجاذب الأرواح، خطفت قلبي وتربعت فيه، منذ اللقاء الأول، تواطأنا بصمت، على بداية صداقة تدوم، بساطتها وعفويتها كسرت جدار الغربة بيننا.
قالت بلكنتها الموسيقية المحببة، وقد حدست ما أنا فيه من تخبط وانكفاء: لاتخافي، كل شيء سيكون جيداً، أتفهم ما أنت فيه، فنحن الجيران المتوسطيين، تسكننا ذات الروح القلقة الشغوفة بالحياة، الزاخرة بالحلم. انتابني شعور جميل، وصل إلى قلبي. كنت بأمس الحاجة إليه…
تكمن جاذبية ماتيلدا في تماوج بشرتها السمراء، مع شعرها الكستنائي، والأكثر في ضحكتها، إذ تبرز غمازتاها الناعمتان على جانبي شفتيها، تمحو تلك المسحة الخفيفة من الصلابة التي تكسو وجهها، فيغدو لطيفا ودودا. شكلت مع زوجها ديفيد الألماني ثنائياً جميلاً. تعرفت عليه أثناء إحدى جولات عمله، في جنوب إيطاليا، وقعا في الحب، تركت وطنها، ولحقت به لتعيش معه هنا..
استعدتُ بعضاً من طمأنينتي، بوجود ماتيلدا، وأنا أخطو خطواتي المبكرة، في مدارج تجربة جديدة، مأخوذة بنوع مختلف من الحياة، لا أدري كيف تكون الخطوة التاليةً فيها.
بيتهما الصغير، أصبح مؤنسا لنا في وحشتنا، اعتبرناها مرشدتنا، نتحدث معها بالإنجليزية ونسألها عن الكبيرة والصغيرة

دعتنا إلى برانش branch يقام عادة هنا في ظهر أيام السبت والآحاد. فوجئت وأنا أرى بيتها، لم أستطع كتم صرخة صغيرة متعجبة.
يآآآه، ياله من بيت جميل، تذكريني ببيتي في دمشق يا ماتيلدا!
أعادت جملتها التي تقولها كلما احتاجت الى تبرير ما: ألم أقل لك، نحن الجيران المتوسطيين، لدينا ذات الروح والذائقة
نجحت ماتيلدا، في أن تضع شيئاً من روحها التي تحن إلى منبتها الأول في بيتها، صور حميمة، تكاد تخرج من إطارها، أبناء كُثر ضاحكون، ونسوة سمروات بملامح قوية، وملابس سوداء حزينة، ورجال متعبون يجوبون البحر بمراكبهم، تحت شمس جارحة، حكاياتهم تشبه حكاياتنا. حتى عريشة المجنونة كانت هناك، تتسلق سياج التراس، على استحياء بألوان كابية، ذكرتني بمجنونتنا التي تنمو في سواحلنا ومدننا بشراسة، تبعث فيها شمسنا المتقدة الحيوية والنشاط، متباهية بألوانها البهيجة الحارة، فالشمس هنا تفتقد الجذوة التي تشعل في الأشياء لهيب الحياة. ومع ذلك استعرت من ماتيلدا شذرة منها، زرعتها في حديقتي الألمانية الصغيرة..
تعرفنا على بعض الأصدقاء هناك، من بينهم، جوليانو الإيطالي الغامض، ابتسامته متلكئة ومبهمة، وشعره المجعد يغطي رقبته. رأيته مراراً مع ماتيلدا، كأنه ظل لها. لاحقتني نظراته، كانت نهمة وجريئة.
شاركها ديفيد في الاحتفاء والاهتمام بنا، ديفيد الذي مازال وجهه الواضح القسمات، ملوِّحاً بسمرة داكنة، اكتسبها عبر عمله الطويل في الآثار، زار سورية وفلسطين والأردن مشاركاً في عدة بعثات ومهمات تتعلق بالآثار والتنقيب.
فوجئتُ به يتحدث باحترام وشغف عن تاريخ المنطقة، وتحديداً سوريا، ودورها الحضاري القديم، ما جعل قلبي يخفق فرحًاً. كان يصرّ على التحدث معنا بالعربية، واستخدام مفردات معينة منها، رغم لكنته المكسرة، فتأتي مضحكة، نداري ابتساماتنا خفية. تدرك ماتيلدا الأمر، فتسخر منه، فيضحك وينظر إلينا غامزا، ويعيّرها بلكنتها الإيطالية. كانوا بحق ثنائياً جميلاً.

بدوري، دعوتهم إلى بيتنا على العشاء، جاؤوا ومعهم ظلهم الذي لا يفارقهم، جوليانو، أعددت لهم اقراص الكبة المقلية بالزيت الحار، والتبولة الخضراء المزينة بقطع الخس والبندورة، والحمص بزيت الزيتون، ومتبل الباذنجان المشوي، وضعت في صحون صغيرة، قطع مخلل اللفت الأحمر، تجانست مع أوراق النعناع الأخضر، التي قطفتها من الحديقة للتو، بدت أطباقي حين تحلقنا حول طاولة العشاء، بألوانها البهيجة، جميلة التهموها بشهية أثنوا بشدة على كل طبق. خالد كان طوال الوقت صامتا ومقطبا والى جانبه صديقته مقطبة مثله.
اختار جوليانو، الجلوس إلى جانبي، يأكل بشهية ويسألني بانجليزية ركيكة، عن أطباق الطعام، ويعبر عن إعجابه بها، وبي أيضاً، ضقت به ذرعاً، وهو يلاحقني إلى المطبخ، يساعدني في إعداد الطاولة، يحمل معي الصحون، و يغني الأغنية الايطالية الشهيرة i Mio bambino (أحبك يا صغيرتي) ويحيط خصري بذراعيه مازحا. خفت أن ينتهي الأمر بكارثة، وأنا أرى وجه خالد يزداد امتقاعا، ويرمقني بذات النظرة الغاضبة، التي كان يرمقني بها، حين كنا زوجين تعيسين، والتي كانت تجعلني أرتجف خوفاً، عجبت من نفسي، إذ شعرت أنني مازلت أخافها.
ومع ذلك، كان الجو مرحاً وبسيطاً، فاجأني ديفيد وهو يدور بعينيه في أرجاء المنزل ويتساءل:
ألا تسمعون موسيقى هنا؟ أنا بشوق إلى سماع أغانٍ وموسيقى عربية
ياااه! كأنه يتحدث من عالم آخر! موسيقى! زمان أنت يا موسيقى
شعر بارتباكي، قال ببساطة: لديك لاب توب، اجلبيه وابحثي في اليوتيوب
عن أغانٍ عربية، فعلت ماطلبه، وما أن ضغطت على المفتاح حتى انطلق صوت الموسيقى، لأول مرة في هذا البيت. نهض ديفيد، وشد ماتيلدا لمشاركته الرقص، لم تتأخر، مالت عليه بدلال، وهي تهز خصرها بغنج، وتحرك ذراعيها برشاقة، حملها ديفيد بين ذراعيه ودار بها، وهي تغمض عينيها و تضحك عالياً.
لاتتوقفي! اضغطي مرة ثانية، لنرى ماذا لديه! صاح ديفيد وهو يستجمع أنفاسه ويعود إلى مكانه مع ماتيلدا.
بدأت الإيقاعات تترنم، غمر المكان، الصوت الذي أعشق، ليلة حب لأم كلثوم!
يا آآه، مالذي حدث؟ كأن حريقاً سرى في دمي.
دقة.. دقتان، تدفق الإيقاع بقوة، وانهمر الضوء في المكان.
.الصوت الذي أعشق، أم كلثوم في ليلة حب، العشق يجرح الوتر، والشوق يدوزن الصول، والشجن يلاعب الصوت.
كأن حريقا سرى في دمي. يا حكايات روحي، ياقصصي، ياعصفي الجميل، هل بإمكانك أن تعيدي إليّ اشتعالي القديم؟
كأني انتقلت بإكسير سحري الى الوراء عشرات السنين، كأن هناك شيء ينغل في دمي وروحي، كأني استيقظ من غيبوبة طويلة، شيء قديم جداً، انبجس من قعر الذاكرة الساكن، يتوق ليعبر عن نفسه.
لم أتردد لحظة واحدة…
نفرت خفيفة حافية كظبية الغابة، أغمضت عينيّ، استجبت لنداء جسدي والموسيقى، أعطيت نفسي دون تردد. تمايلت مع رنة العود وشجن الوتر،انتشيت مع جرح الصوت الخارج من الأعماق، وكلما أوغل الإيقاع في زخمه، أروغ في فيض من النشوة. رقصت كما لم أرقص قبلاً، كنت وحدي، أرقص و أهزأ وأتمرد، على عالم الموت والدمار الذي جئت منه، من خالد وخيبتي فيه، ومن شتوتغارت واللجوء والغربة، ولذاك الغريب الذي يزورني كل ليلة.
ياه… روعة
يا للرقص الجميل
ما أجملك…
أصواتهم كانت تأتيني كحلم…وأنا أدور وأتمايل وألهث
أفقت على حركة مفاجئة، وصفق باب، كان خالد قد غادر، ولحقت به صديقته مهرولة. وكانت نادية واقفة تحدق فيّ، في تعبير لم أستطع تبينه، كان وجهها مخضوضاً بعمق
كان الحلم قد توقف عن الجريان.

* مقطع من رواية تانغو الغرام

Datenschutzerklärung